الأحد، 24 سبتمبر 2017

مراحل صيام عاشوراء

صيام عاشوراء
كان الناس يصومون في الجاهلية قبل الإسلام فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: إنَّ قريشاً كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية، ثم أمر النبي e بصيامه ، حتى  فرض رمضان، فقال e : (من شاء فليصمه ومن شاء أفطره)([1]).
فلما جاء الإسلام أقر عليهم صوم عاشوراء فكانوا يصومون يوماً واحداً في العام ، حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة والمسلون يصومون ذلك اليوم ، وفي العام الثاني من الهجرة فرض الله على رسوله r صوم رمضان ، حينها قال عن عاشوراء الحديث السابق .
ولبيان ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قدم المدينة ورأى اليهود يصومون عاشوراء، كان يعلم  سبب صومهم ، وإنما سألهم ليبين لهم مكانة موسى عليه السلام عند المسلمين حين قال " فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ " فصامه وأمر بصيامه([2]) ، وهو ليس بأمر ابتداء، بل توكيد ، وحديث عائشة يدل على ذلك . 
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح : إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه في الجاهلية أي قبل أن يهاجر إلى المدينة وأفادت تعيين الوقت الذي وقع فيه الأمر بصيام عاشوراء وقد كان أول قدومه المدينة ولا شك أن قدومه كان في ربيع الأول فحينئذ كان الأمر بذلك في أول السنة الثانية وفي السنة الثانية فرض شهر رمضان فعلى هذا لم يقع الأمر بصيام عاشوراء إلا في سنة واحدة ثم فوض الأمر في صومه إلى رأي المتطوع فعلى تقدير صحة قول من يدعي أنه كان قد فرض فقد نسخ فرضه بهذه الأحاديث الصحيحة ونقل عياض أن بعض السلف كان يرى بقاء فرضية عاشوراء لكن انقرض القائلون بذلك ونقل بن عبد البر الإجماع على أنه الآن ليس بفرض والإجماع على أنه مستحب وكان ابن عمر يكره قصده بالصوم ثم انقرض القول بذلك وأما صيام قريش لعاشوراء فلعلهم تلقوه من الشرع السالف ولهذا كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه وغير ذلك ثم رأيت في المجلس الثالث من مجالس الباغندي الكبير([3]) عن عكرمة أنه سئل عن ذلك فقال أذنبت قريش ذنبا في الجاهلية فعظم في صدورهم فقيل لهم صوموا عاشوراء يكفر ذلك هذا ([4]).
فرض الصيام: فقد كان فرض الصيام على مرحلتين:
الأولى: إيجابه على التخيير فكان من شاء صام ومن شاء أفطر ولو كان قادراً صحيحاً مقيماً وأطعم عن كل يوم مسكيناً.
والثانية: تحتم الصيام على القادر الصحيح المقيم. وكان إذا غربت الشمس يتناولون طعامهم ما لم يناموا ،  ومن نام قبل أن يطعم ويشرب حرم عليه الطعام والشراب إلى الليلة المقبلة، عن البراء ، قال: " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يطعم ، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي ، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما ، فلما حضر الإفطار أتى امرأته ، فقال : هل عندك طعام ؟ قالت : لا ، ولكن انطلق فاطلب لك ، وكان يومه يعمل ، فغلبته عيناه ، وجاءته امرأته ، فلما رأته قالت : خيبة لك فأصبح صائما ، فلما انتصف النهار غشي عليه ، فذكر ذلك للنبي r  ، فنزلت هذه الآية " (أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡۚ)  (سورة البقرة آية 187) ، ففرحوا بها فرحا شديدا ، رواه البخاري ، عن عبد الله بن موسى ، عن إسرائيل([5]).


([1])  أخرجه البخاري في صحيح البخاري كتاب الإيمان ، باب وجوب صوم رمضان ط1 برقم (1893).
([2]) أخرجه البخاري في صحيح البخاري كتاب الصوم ، باب صيام عاشوراء ط1 برقم ( 2004 )2/44
 ([3] ) مجالس الباغندي من كتابه أمالي الباغندي وهو مطبوع بجزء واحد بمكتبة قرطبة بمصر ، والباغندي هو المحدث العالم الصادق الباغندي الكبير محمد بن سليمان بن الحارث الواسطي، أبو بكر الباغَندي
([4])ابن حجر فتح الباري  ، ط1 (4/246)
([5])أخرجه البخاري في صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن ، باب قول الله " أحل لكم ليلة الصيام الرفث " برقم (1915)