الجمعة، 30 يناير 2015

توضيح إشكال حديث " القاتل والمقتول في النار " في مسألة القصاص

الفصل التاسع عشر : حديث القاتل والمقتول في النار
  المبحث الأول : الحديث
4481 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ وَائِلٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ إِنِّى لَقَاعِدٌ مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بِنِسْعَةٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا قَتَلَ أَخِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَقَتَلْتَهُ ». فَقَالَ إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ أَقَمْتُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ. قَالَ نَعَمْ. قَتَلْتُهُ قَالَ « كَيْفَ قَتَلْتَهُ ». قَالَ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ نَخْتَبِطُ مِنْ شَجَرَةٍ فَسَبَّنِى فَأَغْضَبَنِى فَضَرَبْتُهُ بِالْفَأْسِ عَلَى قَرْنِهِ فَقَتَلْتُهُ. فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « هَلْ لَكَ مِنْ شَىْءٍ تُؤَدِّيهِ عَنْ نَفْسِكَ ». قَالَ مَا لِى مَالٌ إِلاَّ كِسَائِى وَفَأْسِى. قَالَ « فَتَرَى قَوْمَكَ يَشْتَرُونَكَ ». قَالَ أَنَا أَهْوَنُ عَلَى قَوْمِى مِنْ ذَاكَ. فَرَمَى إِلَيْهِ بِنِسْعَتِهِ. وَقَالَ « دُونَكَ صَاحِبَكَ ». فَانْطَلَقَ بِهِ الرَّجُلُ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ ». فَرَجَعَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ بَلَغَنِى أَنَّكَ قُلْتَ « إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ ». وَأَخَذْتُهُ بِأَمْرِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَمَا تُرِيدُ أَنْ يَبُوءَ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِ صَاحِبِكَ ». قَالَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ - لَعَلَّهُ قَالَ - بَلَى. قَالَ « فَإِنَّ ذَاكَ كَذَاكَ ». قَالَ فَرَمَى بِنِسْعَتِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ.
وفي رواية  فَانْطَلَقَ بِهِ وَفِى عُنُقِهِ نِسْعَةٌ يَجُرُّهَا فَلَمَّا أَدْبَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِى النَّارِ ». فَأَتَى رَجُلٌ الرَّجُلَ فَقَالَ لَهُ مَقَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ -r - فَخَلَّى عَنْهُ.
تخريج الحديث:
ومسلم (3/1307) برقم (1680), وأيضا (4/ 2213- 2231) برقم (2888 – 2908), والنسائي (8/15) برقم (4727) وفي الكبرى (6/325) برقم (6902), أحمد (4/401) و(5/43 – 46- 48), وأيضا (6/2520) برقم (6481), وأبو داود (4/166) برقم (4270),

درجة الحديث : صحيح ورواه مسلم .

  المبحث الثاني : المشكل في الحديث
كيف يأمر النبي r الرجل أن يقود قاتل أخيه ،  ثم يقول : القاتل والمقتول في النار " و قد أخذه الرجل بأمر ؟ ثم ما ذنبه ليكون في النار ؟ وما سبب اختلاف الروايات في الحديث ؟
 
المبحث الثالث : توضيح الإشكال
قال القرطبي رحمه الله تعالى، ظاهره إن قتله كان عليه من الإثم ما على القاتل    الأول , وقد صرح بهذا في الرواية الأخرى التي قال فيها : "القاتل والمقتول في النار " , وهذا فيه إشكال عظيم , فإن القاتل الأول قتل عمداً , والثاني قصاصاً , ولذلك لما سمع الولي ذلك ,قال : يا رسول الله قلت : ذلك وقد أخذته بأمرك فاختلت العلماء في تأويل هذا على أقوال :
الأول : قال الإمام أبو عبد الله المازري : أمثل ما قيل فيه : أنهما استويا بانتفاء التباعة عن القاتل بالقصاص .
قال القرطبي : وهذا كلام غير واضح , ويعني به – والله اعلم- أن القاتل اذا قتل قصاصاً , لم يبق عليه تبعة من القتل والمقتص لا تبعة عليه ؛ لأنه استوفى حقه , فاستوى الجاني والولي المقتص في أن كل واحد منهما لا تبعة عليه .
الثاني : قال القاضي عياض : معنى قوله (فهو مثله) : أي قاتل مثله , وإن اختلفا في الجواز والمنع , لكنهما اشتركا في طاعة الغضب , وشفاء النفس لاسيما مع رغبة النبي e في العفو , على ما جاء في الحديث .
 قال القرطبي : والعجيب من هذين الأمامين , كيف قنعا بهذين الخيالين , ولم يتأملا مساق الحديث وكأنهما لم يسمعا قول النبي e حين انطلق به يجره ليقتله: " القاتل والمقتول في النار " وهذه الرواية مفسرة لقوله في الرواية المتقدمة : " إن فتله فهو مثله" ؛ لأنها ذكرت بدلا منها , فعلى مقتضى قوله  : "فهو مثله " : أي هو في النار مثله , ومن هنا عظم الإشكال , ولا يلتفت لقول من قال : إن ذلك إنما قاله e للولي لما علم منه من معصية يستحق بها دخول النار ؛لأن المعصية المقدرة إما أن يكون لها مدخل في هذه القصة أو لا مدخل لها فيها , فإن كان الأول , فينبغي لنا أن نبحث عنها حتى نتبيّنها ,ونعرف وجه مناسبتها لهذا الوعيد الشديد , وإن لم يكن لها مدخل في تلك القضية , ولم يلق بحكمة النبي e , ولا ببلاغته , ولا ببيانه أن يذكر وعيدا شديدا في قضية ذات أحوال وأوصاف متعددة , ويقرن ذلك بتلك القصة , وهو يريد أن ذلك الوعيد إنما هو لأجل شيء لم يذكره هو و لا جرى له ذكر من غيره , ثم إن المقول له ذلك ,قد فهم أن ذلك إنما كان لأمر جرى في تلك القصة , ولذلك قال للنبي e : تقول ذلك , وقد أخذته بأمرك ؟ , ولو كان كما قاله هذا القائل ؛ لقال له النبي e إنما قلت ذلك للمعصية التي فعلت, أو الحالة التي أنت عليها ,لا لهذا , ولم يكن ليسكت عن ذلك ولبادر ببيانه في تلك الحال , لأن الحاجة له داعية , و النصيحة , والبيان واجبان عليه e .والله تعالى اعلم .
الثالثة : أن أبا داود روى هذا الحديث من طريق أبي هريرة رضي الله عنه وقال فيه : قتل رجل على عهد رسول الله e فرفع إلى النبي e ,, فدفعه الى ولي المقتول , فقال القاتل : يا رسول الله , والله ما أردت قتله , فقال رسول الله e للولي : "أما إنه إن كان صادقا ثم قتله دخلت النار " , فحاصله أن هذا المعترف بالقتل زعم انه لم يرد قتله , وحلف عليه , فكان القتل خطأ , فكأن النبي e خاف أن يكون القاتل صدق فيما حلف عليه , وأن القاتل يعلم ذلك , لكن سلّمه له بحكم إقراره بالعمد , ولا شاهد يشهد له بالخطأ ,و مع ذلك , فتوقّع صدقه , فقال : " إن قتلته دخلت النار " , فكأنه قال : أن كان صادقا , وعلمت أنت صدقه , ثم قتلته , فأنت في النار , وهذا على ما فيه من التكلف يبطله قوله  : " القاتل , والمقتول في النار " فسوى بينها في الوعيد , فلو كان القاتل مخطأ لَما استحق بذلك النار , ولما باء بإثمه , واثم صاحبه , فإن المخطئ لا يكون آثما , ولا يتحمل إثما من أخطأ عليه .
الرابع : أن أبا داود روى هذا الحديث عن وائل بن حجر رضي الله عنه , وذكر فيه ما يدل على أن النبي e قصد تخليصه , فعرض الدية , أو العفو على الولي  ثلاث مرات , و الولي في كل ذلك يأبى إلا القتل , معرضا عن شفاعة النبي e , وعن حرصه على تخليص الجاني من القتل , فكأن الولي صدر منه جفاء في حق النبي e , حيث ردّ متأكد شفاعته , وخالفه في مقصود , ويظهر هذا من مساق الحديث , وذلك أن وائل بن حُجر رضي الله عنه قال : كنت عند النبي e إذ جيء برجل قاتل , في عنقه نسعة , قال : فدعا ولي المقتول , فقال : "أتعفو؟" قال : لا , فقال : " أتاخذ دية ؟ " , قال : لا , قال : " أتقتل ؟" قال : نعم , قال : " اذهب به فلما ولى ,قال : " أ تعفو ؟ " , قال : لا, قال : " أفا تأخذ الدية ؟ " , قال : لا , قال : " أتقتل ؟" قال : نعم , قال : " اذهب به " , فلما كان في الرابعة , قال : " أما انك إن عفوت عنه , يبوء بإثمه , وإثم صاحبه " , قال : فعفا عنه ,فهذا المساق يفهم منه صحة قصد النبي e لتخليص ذلك القاتل , وتأكد شفاعته له في العفو , أو قبول الدية , فلما لم يلتفت الولي الى ذلك كله صدرت منه e تلك الأقوال الوعيدية مشروطة باسمراره على لجاجه , ومضيه على جفائه , فلما سمع الولي ذلك القول عفا , وأحسن , فقُبل , وأُكرم وهذا أقرب من تلك التأويلات , والله أعلم بالمشكلات ,
وهذا الذي أشار إليه بن أشوع , حيث قال : إن النبي e سأله أن يعفو , فأبى .
أقول : ومع كل هذه الأقوال لا يزال الإشكال واردا ، ولكن عندما ننظر في الروايات الواردة في الحديث نجد أن راوِ الحديث هو علقمة بن وائل عن أبيه ، وقد روى عنه الرواة بصيغ متنوعة  في قول " القاتل والمقتول في النار " أو " إن قتله فهو مثله "والروايات كما يلي:
الأولى : روى عنه سماك بن حرب الكوفي بقول " إن قتله فهو مثله "[1] كما في مسلم والنسائي وغيرهما.
الثانية : روى عنه جامع بن مطر البصري ، بقول : " اذهب ، إن قتلته كنت مثله [2]" كما في النسائي والطبراني وغيرهما .
الثالثة : روى عنه أبو عمر حمزة العائذي بقول : " إن قتله فهو مثله [3]" . رواه البزار في مسنده
الرابعة : روى عنه إسماعيل بن سالم الأسدي ، بقول : " القاتل والمقتول في النار " كما في مسلم والنسائي . [4]
عندما نتأمل في هذه الروايات الثلاثة الأولى نجد أن معانيها متقاربة ، بل  المعنى واحد ، والمبنى مختلف.    
ولكن الرواية الرابعة تختلف في المبنى والمعنى معاً، مع أنهم جميعا رووا عن علقمة بن وائل ،  إذا فالرواية الرابعة تعتبر رواية شاذة لأن الراوي إنما روى الحديث بالمعنى الذي فهمه هو ، ومن المعلوم  أن الأحاديث تروى بالمعنى ، ولا خلاف في ذلك ،  و لا شك أن إسماعيل بن سالم ثقة قد وثقه جمع من النقاد ولكنه خالف الثقات في هذه الرواية .
ومما يؤيد هذا القول رواية عن غير علقمة وهي رواية ثابت البناني عن أنس بن مالك وفيه " اذهب فاقتله فإنك مثله "[5] . كما في سنن النسائي وابن ماجة والحديث صححه الألباني .
و بهذا يزول الإشكال و هذا هو القول الفصل في المسألة والله أعلم .

  المبحث الرابع : مجمل القول
أن الحديث برواية " القاتل والمقتول في النار " رواية شاذة تفرد به إسماعيل بن سالم الأسدي ، لأنه روى الحديث بالمعنى الذي فهمه هو . و الرواية الصحيحة هي " إن قتله فهو مثله أو أن قتلته كنت مثله " والمعنى واحد هو أنهما سواء في أن كل واحد منهما أطاع غضبه ، وقد استوفى القاتل حقه ولا فضل لأحدهما على الآخر، مع الفارق في الحكم فالأول ظالم والآخر بحق ، وهكذا يتضح معنى الحديث ويزول الإشكال إن شاء الله . والله أعلم .

                                                                        محمد مدهير الجابي



[1] رواه مسلم برقم 4481
[2] رواه النسائي برقم 4726
[3] مسند البزار ( المطبوع باسم البحر الزخار ) المؤلف : أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار حديث رقم 4484

[4] رواه مسلم في صحيحه برقم 4482
[5] المجتبى من السنن المؤلف : أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي برقم 4730

توضيح الإشكال في حديث " لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام "

  الفصل الحادي عشر : حديث لا تبدؤوا اليهود و لا النصارى بالسلام
  المبحث الأول : الحديث
قال الإمام مسلم رحمه الله :حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - يَعْنِى الدَّرَاوَرْدِىَّ - عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r  قَالَ « لاَ تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلاَ النَّصَارَى بِالسَّلاَمِ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِى طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ ».

تخريج الحديث:
أخرجه أحمد (2/263 , 266 , 346 , 444 , 459 , 525), ومسلم (4/ 1707)
 برقم (2167 ) ورقم (5789), والترمذي (5/60) رقم الحديث (2700).
    



  المبحث الثاني : المشكل في الحديث
أليس الإسلام دين سلام فلم لا نبدأ الآخرين بالسلام ؟  أليس من الإيذاء أن  نضيق على غيرنا الطريق حتى نلصقه بالجدار كما قال بعضهم؟ كلما لقيناهم في الطريق ؟ فما المقصود بالحديث إذا ؟

  المبحث الثالث : توضيح الإشكال          
قل بعض العلماء أن النهي المذكور في الحديث إنما هو عن السلام و هو عند الإطلاق إنما يراد به السلام الإسلامي المتضمن لاسم الله عز وجل ، كما في قوله r  :" السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض فأفشوه بينهم " [1]. أخرجه البخاري في الأدب المفرد .
و مما يؤيد ذلك قول علقمة : " إنما سلم عبد الله ( يعني ابن مسعود ) على الدهاقين إشارة " . وهم الكفار .[2]
 أخرجه البخاري في الأدب المفرد  مترجما له بقوله : " من سلم على الذمي إشارة " . و سنده صحيح . فأجاز ابن مسعود ابتداءهم في السلام بالإشارة ، لأنه ليس السلام الخاص بالمسلمين ، و كذلك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم لما كتب إلى هرقل ملك الروم فلم يبدأه بالسلام الإسلامي، و إنما قال فيه : بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد بن عبد الله و رسوله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى . أخرجه البخاري و مسلم و هو في " الأدب المفرد " ( 1109 ). " سلام على من اتبع الهدى "[3] . فقد بدأه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلام مع أنه كافر ولكن  ليس هو السلام الإسلامي ..
 فكذلك يجوز أن يقال في السلام عليهم : كيف أصبحت ، أو أمسيت ، أو كيف حالك ، ونحو ذلك من الألفاظ .
وقال زين الدين في فيض القدير :
(لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام) لأن السلام إعزاز وإكرام ولا يجوز إعزازهم ولا إكرامهم بل اللائق بهم الإعراض عنهم وترك الالتفات إليهم تصغيراً لهم وتحقيراً لشأنهم ، فيحرم ابتداؤهم به على الأصح عند الشافعية وأوجبوا الردّ عليهم بعليكم فقط ولا يعارضه آية {سلام عليك سأستغفر لك ربي} وآية {فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعملون} لأن هذا سلام متاركة ومنابذة لا سلام تحية وأمان (وإذا لقيتم أحدهم في طريق) فيه زحمة (فاضطروه إلى أضيقه)
 بحيث لا يقع في وهده ولا يصدمه نحو جدار أي لا تتركوا له صدر الطريق إكراماً واحتراماً ، وليس معناه كما قال القرطبي: إنا لو لقيناهم في طريق واحد نلجئهم إلى حرفة حتى يضيق عليهم .. لأنه إيذاء بلا سبب، وقد نهينا عن إيذائهم. ا.ه[4]
وقول الله تبارك و تعالى : " لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) " [5]. فهذه الآية صريحة بالأمر بالإحسان إلى الكفار المواطنين الذين يسالمون المؤمنين و لا يؤذونهم .
و أما مسألة  :هل يجوز أن يقال في رد السلام على غير المسلم : و عليكم السلام ؟
 فقد أجاز ذلك العلماء بشرط أن يكون سلامه فصيحا بيّنا لا يلوي فيه لسانه ، كما كان اليهود يفعلونه مع النبي r  و أصحابه بقولهم : السام عليكم . فأمر النبي r  بإجابابتهم بـ " و عليكم " فقط ، كما ثبت في " الصحيحين " و غيرهما من حديث عائشة .
فالنظر في سبب هذا التشريع ، يقتضي جواز الرد بالمثل عند تحقق الشرط المذكور ، فهذا التعليل يعطي أنهم إذا قالوا :" السلام عليك " أن يرد عليهم بالمثل : " و عليك السلام " ،    و يؤيده الأمر الآتي و هو  عموم قوله تعالى " وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا "[6] فإنها بعمومها تشمل غير المسلمين أيضا .
و مما يؤيد أن الآية على عمومها ما أخرجه البخاري في " الأدب المفرد و السياق له و ابن جرير الطبري في " التفسير " ( 10039 ) من طريقين عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : " ردوا السلام على من كان يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا ذلك بأن الله يقول:"وإذا حييتم بتحية.." الآية  [7].
قال الألباني :  سنده صحيح  ، لولا أنه من رواية سماك عن عكرمة .
و يقويها ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لو قال لي فرعون : " بارك الله فيك " قلت : و فيك . و فرعون قد مات . أخرجه البخاري في " أدبه " ( 113 ) ، و سنده صحيح على شرط مسلم .[8]

  
المبحث الرابع :مجمل القول
أن المراد بالسلام هو السلام الإسلامي فحسب ، ويجوز أن نحييهم بغير السلام الإسلامي ،
 و المقصود بالتضييق عليهم هو أن لا نترك لهم صدر الطريق إكراماً و إعزازا ، وهو ما يسمى بلغة العصر : "أفضلية المرور"، أي إذا كان الطريق لا يتسع إلا لعبور شخص واحد، فلا يليق أن يقدم الكافر على المسلم ، لأن ذلك من مظاهر الإكرام والتقديم، وتقديم الكافر على المسلم تقديم للكفر على الإسلام .
ثم إن ديننا دين سلم وسلام ، والله يقول " وقولوا للناس حسنا " ولم يخص أحدا  ، فإن حسن التعامل مع الآخرين من سمات هذا الدين ، وإنه ورد أن النبي عاد يهوديا ، فكيف يكون القصد من الحديث ظاهره ، وعيادة اليهودي أعظم من هذا كله .
 والله أعلم ..

                                                           الكاتب : محمد مدهير الجابي




[1] " الأدب المفردالمؤلف : محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفيالناشر : دار البشائر الإسلامية - بيروتالطبعة الثالثة ، 1409 - 1989
 الأدب المفرد " ( 989.
[2] الأدب المفرد حديث رقم (1104).
[3] البخاري كتاب بدء الوحي برقم 7
[4] فيض القدير شرح الجامع الصغير المؤلف : زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي المناوي (جـ6/ 501)
[5] الممتحنة آية 8
[6] النساء آية 86
[7] الأدب المفرد برقم (1107)
[8] السلسلة الصحيحة برقم (804)

الجمعة، 2 يناير 2015

لولا الجمال ( اللغة العربية )

لولا الجمال


لولا الجَمال لما علم الورى وصْفُ **  ولا تَغَنّى بهذا الحُب من يَهفو


ولا تهادت على الأنغام غانية ** تشدو قصائد منها الحب يُقتَطفُ


ولا رمتنا سهام الحب إذْ نظرَتْ ** سود الجفون ، وفي قلب الهوى نزْف


ولا رأيتَ من العشاق إذ ولِهوا  ** رسمَ النحول و عينًا خانها الذَرْفُ


ولا رأيتَ عقولا بالهوى سكِرت  ** ولا رأيتَ جنونا بالهوى عُرفوا


لولا الجمال لما علم الورى وصفُ **  ولا تغنى بهذا الحب من يهفو


فهل وقفت على الواحات منتشيا ** والشمس تُرسِل من أطيافها قِطف


وهل سمعتَ تغاريداً على فننٍ ** صوت البلابلِ إذ تشدوا و إذ ترفوا


صوت الطبيعة ألحانٌ و أغنية ** ممزوجة بهدير الماء .. تأتلف


تُلامس الريح أعلى البان تُنعِشُها ** كأنه العزف و القيثار والدفُّ


فوق الغصون و زفُّ الريح يُلبسه ** ثوب الجمال ، وعين الكون تعترف


لولا القوافي ولو لا الشعر ما نُظمت ** آي الجمال وهذا الحرف و العزف


نصف الجمال جمال العينِ إذْ لمحت ** و للقوافي .. وحرف الضا له النصفُ



لولا الجمال لما علم الورى وصفُ **  ولا تغنى بهذا الحرف من يهفو